يحتفل العالم في مايو من كل عام باليوم العالمي للربو وذلك لتسليط الضوء على هذا المرض المزمن والمنتشر بكثرة حول العالم إذ يقدر عدد المصابين به حولي 260 مليون شخص، وذلك بهدف السيطرة عليه والحد من مضاعفاته التي قد تشكل خطرا على حياة المريض في بعض الأحيان، إذ يقدر عدد الوفيات بسبب الربو حول العالم ب 450 ألف وفاة سنويا هذا بالإضافة إلى تأثيره سلبا - في حال عدم ضبطه – على نوعية الحياة والحد من الإنتاجية
ويأتي الربو الشعبي على شكل نوبات بين الحين والآخر، وهذه النوبات تحصل بسبب تهيج في الشعب والشعيبات الهوائية نتيجة التعرض لمهيجات سيأتي ذكرها لاحقا، ويؤدي هذا التهيج إلى تورم الطبقة المبطنة لهذه الشعب مما يؤدي إلى تضيقها الأمر الذي يظهر بصورة صعوبة في التنفس وكحة وضيق في الصدر وصفير مصاحب للتنفس.
ويقول الدكتور محمد العتيبي استشاري اول طب الاسرة في مركز لعبيب الصحي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية ان الربو مرض تساهم الوراثة في حدوثه لذلك تجده ينتشر أكثر في المجتمعات التي يكثر فيها زواج الأقارب، وهناك عوامل بيئية أخرى قد تساهم في حدوث نوبات الربو كتلوث الهواء والتدخين والغبار والرطوبة وبعض الروائح كالبخور والروائح النفاذة ووبر الحيوانات وريش الطيور وبعض النباتات وحبوب اللقاح، كما أن الأمراض التنفسية ونزلات البرد من العوامل المهمة التي تسبب نوبات الربو. علما بأن هذه العوامل يختلف تأثيرها من شخص لآخر.
ونوبات الربو قد تحدث طوال العام، ولكنها تزداد عند الكثير في فصل الشتاء حيث تكثر العوامل المهيجة للربو وأهمها الأمراض الفيروسية للجهاز التنفسي كالإنفلونزا ونزلات البرد.. كما أن فصل الصيف وما يصاحبه من رطوبة وغبار يهيج نوبات الربو، كذلك تشهد عودة الطلاب للمدارس ارتفاعا في معدل النوبات نتيجة اختلاط الطلاب ببعضهم مما يشجع على انتشار الامراض الفيروسية بينهم ونقلها للبيوت، كذلك تزداد النوبات في الفترات التي تنتشر فيها بعض حبوب اللقاح وتنمو بعض النباتات التي تهيج نوبات الحساسية عند البعض.
ان كل هذه العوامل تؤدي الى زيادة نوبات الربو عند الكثيرين مما يستلزم اتخاذ إجراءات وقائية وعلاجية قبل الموسم وخلاله حتى يمر بسلام ودون تأثير على النشاط ونوعية الحياة ودون حصول مضاعفات قد تكون خطيرة وتؤدي الى دخول المستشفى.
"مفاهيم مغلوطة"
ويضيف الدكتور العتيبي : وبما أن شعار هذا العام يتعلق بالتوعية والتمكين، أجد أنه من المناسب تسليط الضوء على بعض المفاهيم المغلوطة فيما يتعلق بالربو:
وأول هذه المفاهيم المغلوطة هو المصاب بالربو يجب ان يتم فرض قيود على اسلوب حياته وتقييد حركته وممارسته للرياضة وذلك تجنبا لحدوث نوبات الربو، وكثيرا ما يأتي الوالدان للطبيب للحصول على إعفاء من ممارسة الرياضة لطفلهم في الحصة الرياضية، والصواب أنه لا يجب تقييد حركة الطفل المصاب بالربو ومنعه من الرياضة كالسباحة والهرولة وغيرها إذ أنه مع أخذ الأدوية الوقائية والعلاجية المناسبة يستطيع الشخص ان يمارس الرياضة بحرية وكفاءة، بل ان ينافس في المسابقات الرياضية ويحصل على بطولات
وثاني هذه المفاهيم المغلوطة أنه يجب تجنب البخاخات مخافة أن يتعود الطفل عليها وهذا مفهوم خاطئ، إذ أنه لا يحدث تعود على هذه البخاخات، فمتى احتاجها الطفل أخذها ومتى لا يكون هناك حاجة اليها يتوقف عن أخذها. والادوية التي يتم إدخالها عن طريق البخاخات (مثل موسعات الشعب) تكون كمية الدواء فيها قليلة جدا مقارنة بأخذها بصورة حبوب او شراب وتذهب مباشرة الى العضو المراد علاجه وهو الرئتين وبالتالي فهي رغم كون كمية الدواء أقل إلا أنها أسرع وأكثر فاعلية في العلاج وبالطبع فإن آثارها الجانبية تكون أقل. وفي حال الأطفال الصغار يصعب على الطفل استخدام البخاخ بطريقة صحيحة، لذلك يتم وصله باسطوانة يستنشق الطفل البخاخ من خلالها
"بخاخ الكورتيزون آمن"
وثالث هذه المفاهيم المغلوطة هو الخوف من بخاخات الكورتيزون ورفض إعطائها للطفل خوفا من الأضرار الجانبية للكورتيزون.. فكما ذكرنا فإن الكورتيزون في البخاخ كميته قليلة ومعظمه يذهب مباشرة الى الرئتين وعليه فإن بخاخ الكورتيزون آمن حتى للأطفال ولا يؤثر على نموهم وهو من الأدوية الأساسية في السيطرة على المرض ومنع النوبات.
ورابع هذه المفاهيم المغلوطة هي رفض علاج الربو من قبل الوالدين على اعتبار أن الطبيب أخبرهم أن طفلهم عنده حساسية في الصدر، وعليه يتم رفض العلاج لأن طفلنا ليس لديه ربو فكيف تعطونه علاج الربو. والحقيقة أنه بصفة عامة فإن هذه الكلمات تستخدم لتدل على شيء واحد: فالربو هو الربو الشعبي وهو نفسه حساسية الصدر. ويجب على العاملين الصحيين توضيح ذلك للمرضى وعائلاتهم حتى لا يتم الاستخفاف بالمرض.
"الوقاية قبل العلاج"
ويجد كثير من الناس صعوبة تفهم أن الربو مرض مزمن يحتاج متابعة منتظمة بغض النظر عن حدوث النوبة من عدمها. وللأسف فإن كثيرا من مرضى الربو لا يراجع الطبيب إلا عند حدوث نوبة. وهذا تصرف غير سليم إذ ان علاج الربو يعتمد أساسا على مبدأ الوقاية خير من العلاج، أي انه يعتمد على الوقاية من نوبات الربو وتجنب حدوثها، وإن مجرد حدوث نوبة أو حتى بعض أعراض الربو يعتبر فشل وعدم كفاية العلاج او الاجراءات المستخدمة ولا بد من تصحيح هذه الاجراءات لتجنب حدوث نوبات أو أعراض مستقبلا.
والاجراءات الوقائية قد تكون دوائية وقد تكون غير دوائية ، واهم الاجراءات غير الدوائية هي تجنب مهيجات الربو وهذه قد تختلف من شخص لآخر ومن اهمها واكثرها تأثيرا:
-التدخين: سواء تدخين الشخص المصاب بالربو أو تدخين الآخرين في محيطه (التدخين السلبي) لذلك يجب ان يمتنع عن التدخين كل من في البيت الذي يعيش فيه أو البيئة التي يتواجد فيها الشخص المصاب بالربو
-الغبار المنزلي: وهذا موجود في كل بيت وفيه كائنات دقيقة تهيج الربو لذلك ينصح بإزالة السجاد من البيت واستخدام المكنسة الكهربائية على الستائر والمفروشات بشكل دوري، إضافة الى تجنب الروائح والأبخرة كالبخور وبعض العطورات والاصباغ وملطفات الجو وغيرها من المواد ذات الرائحة النفاذة.
"الحيوانات والنباتات المنزلية"
ويضيف الدكتور محد العتيبي بان من الأمور المؤثرة أيضا وبر الحيوانات وريش والطيور لذلك يحتاج كثير من مصابي الربو الى إخراج هذه الحيوانات من داخل المنزل وتجنب استخدام مخدات الريش ومفارش الصوف وأيضا النباتات المنزلية وحبوب اللقاح، او التواجد في الاماكن المغلقة المزدحمة، لذا يجب تجنب هذه الأماكن ما أمكن وتهوية البيوت بانتظام، والحرص على تجنب الاصابة بالأنفلونزا وأمراض البرد والالتهابات التنفسية وذلك بأخذ التطعيمات المقررة ومنها تطعيم الانفلونزا في بداية شهر اكتوبر من كل عام، وكذلك غيرها من التطعيمات التي تنصح بها الجهات الصحية.
اما الوقاية الدوائية فهي تتضمن أخذ أدوية معينة يقررها الطبيب مع أو قبل بداية الموسم المتوقع حدوث النوبات فيه حسب تجربة السنوات الماضية. والهدف من هذه الادوية هو منع حدوث نوبات في الموسم المتوقع حدوثها فيه. وهذه تختلف من شخص لآخر حسب شدة المرض ومدته وموسمه. وفي الغالب تشمل بخاخ كورتيزون مع او بدون موسع شعب طويل التأثير، ويؤخذ بانتظام قبل موسم الربو دون انتظار حدوث نوبة او أعراض ويستمر عادة طوال الموسم.
"علاج النوبة او الأعراض"
وإذ حدثت نوبة او أعراض، فهذا يؤشر الى فشل الاجراءات الوقائية أو التعرض لبعض المهيجات المذكورة وهناك علاجات يقررها الطبيب في حينه حسب الحالة وشدة النوبة.
اما العلامات التي تستدعي زيارة الطبيب، فكما ذكرنا ان نوبة الربو قد تكون خطيرة إذًا لم يتم الانتباه الى علامات الخطورة وطلب التدخل الطبي بسرعة. وأهم علامات الخطورة هو عدم الاستجابة وتحسن الأعراض مع استخدام موسعات الشعب سواء من البخاخ أو جهاز الرذاذ وكذلك زيادة ضيق وسرعة النفس وعدم القدرة على الكلام او الحركة والشعور بالإعياء وغيرها من الاعراض التي يجب ان يتنبه اليها الشخص ومن يرعاه.
وهناك جهاز بسيط يجب ان يكون عند كل شخص مصاب بالربو من عمر ٨ سنوات فما فوق وهو مقياس أقصى تدفق لهواء الزفير ويقوم الطبيب بتدريب الشخص واهله على كيفية استخدامه ومتى تكون القراءة توحي بخطورة النوبة حال حدوثها وتستدعي زيارة فورية للطبيب.
بقي أن نقول إن فشل العلاج في كثير من الأحيان يكون ناتجا عن الاستخدام الخاطئ للبخاخات حيث تكثر انواعها وأشكالها ولكل منها طريقة معينة في الاستخدام لضمان وصول الرذاذ الى مكان التأثير ولا بد من ان يقوم الطبيب او الصيدلي او الممرضة بالتدريب العملي للمريض والتأكد من استخدامه الصحيح له والتأكد من ذلك في كل زيارة.
ختاما نرجو لمرضى الربو حياة طبيعية خالية من النوبات والأعرض أملا في التخلص من المرض حيث ان هناك نسبة جيدة من الأطفال يشفون تماما من المرض كلما كبروا.