دعت مؤسسة الرعاية الصحية الأولية لرفض ونبذ العنف بكافة أشكاله وصوره للجميع سواء الأطفال أو النساء أو غيرهم ممن يتعرضون للعنف في حياتهم أو حتى وسط أسرهم ومحيطهم العائلي أو في نطاق العمل وغيره من الأماكن. وطالبت المؤسسة بمناسبة اليوم العالمي للّاعُنف والذي يوافق الثاني من شهر أكتوبر من كل عام ببذل الجهود من أجل التصدّي بشكل منهجي لعوامل الخطورة للتعرض للعنف، وحماية المجتمع، بالإضافة إلى وضع استراتيجيات لإنهاء العنف ومعاونة البلدان والمجتمعات المحلية للوقاية من كافة أنواعه والتخلص منه، لما سيحققه ذلك من فوائد في مجالات مثل الصحة النفسية والتعليم والحدّ من الجرائم.
وأكدت د. صدرية محمد الكوهجي، مساعدة المدير الطبي لصحة الأطفال والمراهقين بمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، على الدور الإيجابي الذي تلعبه المؤسسة في مجال مكافحة العنف، قائلة: "إننا في العيادات الخاصة بالأطفال في المراكز الصحية التابعة للمؤسسة نحرص على التحري من خلال برامج عيادات الطفل السليم وعيادات صحة المراهقين عن كيفية التواصل مع الأطفال والمراهقين في جميع المراحل العمرية وملاحظة وجود علامات تدل على التعامل بعنف معهم في كل من البيت والمدرسة. فنحن نعمل على زيادة الوعي عند الطاقم الطبي حول الصور المختلفة التي من الممكن أن تكون ناتجة عن التعامل بعنف مع الأطفال وتدريبهم على ذلك."
وأضافت الدكتورة: "أمّا فيما يخص حالات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فنحن نقوم بتقديم الاستشارة الطبية والتثقيف التوعوي اللازم جنباً إلى جنب مع الدعم النفسي لهم ولذويهم. كما أننا في حالات السلوكيات المرضية مثل التبول اللاإرادي وقضم الأظافر ونتف الشعر وغيرها من الحالات الأخرى، والتي من الممكن أن تكون سبباً للعنف، نقوم بتقديم الاستشارة الطبية وشرح الطرق التحفيزية والترغيبية للتعامل معها والتوضيح للأسرة والوالدين أن التعامل بعنف لن يؤدي إلى العلاج بل سيزيد الأمر سوءاً. كما أننا في عيادات الطفل بالمراكز الصحية التابعة لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية نقوم بتحويل حالات العنف أو الاشتباه بالعنف إلى المراكز المتخصصة بالدولة للعلاج والمتابعة."
وأوضحت الدكتورة صدرية الكوهجي أن العنف ضد الأطفال يُعد من أكثر أنواع العنف شيوعاً، فهو يشمل جميع أشكال العنف ضد الأشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، سواء كانت تُرتكَب من قِبل الأبوين أو غيرهما من مقدّمي الرعاية أو الأقران، مشيرةً إلى أن التقديرات العالمية تكشف أن حوالي مليار طفل في المرحلة العمرية بين "2-17" عاماً قد تعرّضوا لعنف بدني أو جنسي أو نفسي أو عانوا من الإهمال.
وأضافت الدكتورة أن معظم أشكال العنف ضد الأطفال تنطوي على واحد على الأقل من ستة أنواع رئيسية من العنف الشخصي تحدث عادةً في مراحل مختلفة من نمو الطفل. فهناك أنماط عديدة لإساءة المعاملة للطفل والعنف ضده، منها "الإساءة الجسدية" وهي إصابة للطفل لا تكون ناتجة عن حادث بل تكون متعمَدة. وقد تتضمن علامات هذه الإساءة الإصابة بكدمات أو خدوش أو آثار ضربات أو لكمات بالجسم أو الخنق والعض والدهس والمسك بعنف وشد الشعر والقرص والبصق أو كسور في العظام أو الحرق أو إصابة داخلية أو حتى الإصابة المؤدية إلى الوفاة.
هناك أيضاً "الإساءة الجنسية" وهي حالة يعمد فيها شخص أكبر إلى استخدام الطفل لأغراض جنسية، مثل: الاغتصاب والتحرش الجسدي والجنسي في الشوارع ووسائل المواصلات والأماكن المزدحمة أو من خلال إجبار الأطفال على ممارسات جنسية متنوعة.
أمّا "الإساءة الانفعالية" فيمكن تعريفها باستخدامها لمجموعة من طرق الإيذاء النفسي الذي يظهر في أشكال عديدة مثل الازدراء وهو نوع من التصرف يجمع بين الرفض والذل، فمثلاً؛ يرفض أحد الوالدين مساعدة الطفل أو يرفض أحدهما الطفل نفسه وقد ينادي بعض الأشخاص أطفالهم بأسماء تحط من قدرهم وذلك بوصف الطفل بالوضيع مثلاً.
هذا عدا عن التهديد والإيذاء الجسدي للطفل أو التخلي عنه إذا لم يسلك سلوكاً معيناً أو بتعريض الطفل للعنف أو التهديد من قِبل أشخاص يحبهم أو تركه بمفرده في حجرة مظلمة. إضافة إلى ممارسة العزلة على الطفل وذلك بعزله عمّن يحبهم أو بتركه بمفرده لفترات طويلة أو بمنعه من التعامل مع الزملاء أو الكبار داخل وخارج العائلة. ويُعتبر الاستغلال والفساد من الأمور التي فيها نوع من الإساءة الانفعالية، فهي تتضمن تشجيع الطفل على الانحراف، وذلك مثل تعليمه سلوكاً إجرامياً أو تركه مع خادم أو تشجيعه على الهروب من المدرسة أو الاشتراك في أعمال جنسية. وكذلك من الأمور السيئة مثل إهمال الأشخاص لردود الطفل العاطفية، مثل: إهمال محاولات الطفل التفاعل مع الكبار باللمس أو الكلام أو القُبل حيث يُشعِر الوالدين الطفل بأنه غير مرغوب فيه عاطفياً. كما يُعد الإهمال نوعاً من أنواع العنف وذلك لكونه يتضمن ترك الطفل غالباً وحيداً لمدة طويلة أو يهمله الوالدان بما يتسبب له بمشكلات انفعالية أو صحية معه. وعلينا ألا ننسى أمراً هاماً وهو "الإساءة الصحية" وتتمثل في معاناة الطفل من الجوع والبنية الهزيلة والتقمل والملابس غير المناسبة، بحيث يشعر الطفل نتيجة لذلك بعدم وجود أحد يرعاه أو عدم أخذه للمرفق الصحي إذا احتاج للرعاية الصحية.
تشديد الإجراءات الرامية لاحتواء المرض
ورَجَّحت الدكتورة صدرية الكوهجي مواجهة الأطفال من جميع أنحاء العالم لخطورة متزايدة على سلامتهم وعافيتهم بسبب إساءة المعاملة، والعنف الجنسي، والاستغلال، والإقصاء الاجتماعي، والانفصال عن مقدمي الرعاية بسبب الإجراءات المتخَذة لاحتواء انتشار جائحة (كوفيدـ19). وهو ما يدعوها إلى التأكيد على أهمية تضمين حماية الأطفال ضمن أي خطة استجابة وتعافي سليمة لفيروس (كوفيدـ19)، والتركيز على تعميم خطط الاستجابة الفعالة للفيروس لحماية الطفل في جميع القطاعات عبر منهج يعترف بالمسؤولية الجماعية لحماية الأطفال والاستعداد الكامل من كل فئات المجتمع لتعزيز سلامتهم وتوفير الاستعدادات اللازمة لكل قطاع لتحقيق هذا الهدف.
وبينت الدكتورة بأن هناك سبع استراتيجيات لمنع العنف ضد الأطفال، وهي: تنفيذ القوانين الخاصة بحظر السلوك العنيف وتقييد إتاحة الكحول والأسلحة النارية، على سبيل المثال. بالإضافة إلى، تغيير القواعد والقيم وتهيئة بيئة آمنة ودعم الأبوين ومقدّمي الرعاية وتعزيز الأوضاع الاقتصادية وتقديم خدمات الاستجابة وتنمية المهارات التعليمية والحياتية لضمان التحاق الأطفال بالمدارس وتوفير التدريب لتنمية المهارات الحياتية والاجتماعية.
كما شددت الدكتورة صدرية على دور الأسرة والمجتمع في حماية الطفل من العنف؛ مؤكدةً على وجود بعض الجوانب التي يُمكن للأسرة أن تُراعيها لتحمي أطفالها من التعرّض للعنف والإيذاء الجسدي والنفسي؛ وذلك من خلال خلق بيئة ملائمة داخل المنزل يتمّ فيها احترام أفكار الطفل، والاستماع إليه، وحلّ المشكلات التي تواجهه، وتقديم الرعاية اللازمة له. كما أكدت الدكتورة بدورها على وجوب إحلال أسلوبُ الحوار أو المفاوضات محلَّ العِقاب للحدِّ من سلوك الطفل العنيف وتعليم الطفل حقّه في الحماية وكيفية وقاية نفسه من العنف وتشجيعه للتعبير عن نفسه. حيث يُمكن تحقيق الوقاية من العنف ضدّ الأطفال عن طريق دعم العائلات لرعاية أطفالهم وإعطائهم الأولويّة، ورعاية الطفولة المبكِّرة وتنميتها.