دعت مؤسسة الرعاية الصحية الأولية لمزيد من الاهتمام بالصحة النفسية لكافة أفراد المجتمع، وزيادة الوعي بأهميتها وتأثيرها على جميع مناحي الحياة، بالإضافة إلى المحافظة على التوازن النفسي من خلال التعامل مع الضغوطات والمشاكل والقلق بشكل جيد.
ونبهت المؤسسة ضمن رسالتها التوعوية ضمن احتفائها بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية لأهمية الصحة النفسية وانعكاسها على الصحة الجسدية لا سيما وأن الدراسات العالمية أظهرت ارتفاعاً كبيراً في نسب الاضطرابات النفسية خلال الانغلاق الذي شهدته المجتمعات في ظل جائحة كورونا.
التفاعل المجتمعي
وأكدت الدكتورة تغريد طه، الأخصائية النفسية بمركز روضه الخيل الصحي التابع للمؤسسة، على وجوب التفاعل إيجابياً بين الفرد والمجتمع لكي يتسم الفرد بالصحة النفسية، داخلياً وخارجياً. موضحةً بأن هذا التفاعل يتم عبر أربعة جوانب، أولها: الجانب الجسمي الذي يشير الى قدرة الشخص على المحافظة على صحته الجسمانية وسلامتها. ويتم ذلك من خلال اتباع الشخص لنظام غذائي متكامل وأخذ فترات نوم كافية وممارسة التمارين الرياضية وتمارين الاسترخاء والتأمل.
أمّا الجانب النفسي، فيأتي ثانياً. ويشير هذا الجانب إلى مدى إدراك الفرد لذاته وأفكاره وقدرته على التعبير عنها وعلى حل المشكلات، بالإضافة إلى معرفته لنقاط قوته وضعفه وقدرته على التغلب على أفكاره السلبية واتخاذ القرارات المناسبة في مختلف المواقف.
ويتمثل الجانب الثالث بالجانب الاجتماعي الذي يشير إلى قدرة الشخص على التكيف مع البيئة الاجتماعية الخارجية وتكوينه علاقات جديدة مع أفراد المجتمع وأداء أدواره الاجتماعية المختلفة كأب أو موظف أو ابن أو أخ، وتحقيق التوازن بينهما.
أمّا الجانب الروحي، فيُعرّف بإيمان الفرد بوجود الله وامتلاكه معتقدات دينية وممارسته للشعائر الدينية، مثل: الأعمال الخيرية والصوم والزكاة.
وشدّدت د. طه على أن الموازنة بين هذه الجوانب النفسية كافة يؤدي إلى تمتع الفرد بصحة نفسية جيدة. بالمقابل، فإن حدوث أي خلل في هذه الجوانب الأربعة قد يؤدي إلى حدوث صدمات أو مشكلات نفسية شديدة، مثل: اضطرابات المزاج والقلق واضطرابات كرب ما بعد الصدمة والاضطرابات النفس الجسمية.
ومن المعروف أن الاستجابة لضغوطات الحياة تختلف باختلاف الأفراد، فتباين طبيعة الأفكار والمعتقدات التي يتبناها كل الشخص ومنظوره للأشياء، يفسر هذا الاختلاف. فامتلاك الفرد لنظرة إيجابية وقدرة على حل المشكلات ومواجهة ضغوطات الحياة، يؤدي إلى تمتعه بصحة نفسية جيدة.
أمّا النظرة السلبية اللاعقلانية للذات والآخرين والبيئة المحيطة، فتسبب بدورها اضطرابات نفسية تعيق الفرد على عيش حياته بشكل طبيعي. وهنا يأتي دورنا في الإجابة عن بعض الأسئلة الخاصة بالاضطرابات النفسية ودور المؤسسة والعيادات النفسية في دعم الصحة النفسية للأفراد.
خدمات نفسية
وأشارت د. تغريد طه لاستقبال مؤسسة الرعاية الصحية الأولية في عياداتها النفسية الأفراد البالغين من العمر 18 عاماً فما فوق والذين يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والضغوطات النفسية وضغوط العمل. حيث يتم تشخيصهم وفقاً لإجراءات محددة تتم داخل العيادات النفسية، يلي ذلك عقد عدة جلسات نفسية بين المعالج والمريض، يتم فيها مساعدة الفرد على التغلب على هذه الاضطرابات من خلال تعليمه طرق التوافق النفسي الجيد وتغيير المعتقدات والافكار الخاطئة حول ما يحدث معه وحوله وتدريبه على جلسات الاسترخاء والتأمل للتقليل من حدة التوتر والقلق.
بيئة نفسية صحيحة
وأوضحت د. تغريد أن أغلب المشكلات النفسية التي يعاني منها الأطفال والمراهقين تتعلق بسلوكهم داخل المدرسة، والتي تتمثل بالاكتئاب، اضطرابات الأكل، التنمر، اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. ويمكن ملاحظ أعراض هذه المشاكل من خلال الانتباه إلى السلوكيات التالية "صعوبات النوم، تغيير في السلوكيات، رفض الذهاب إلى المدرسة، العنف، الغضب، العزلة، اضطرابات في الأكل، وغيرها الكثير.
وتنصح د. تغريد الأسرة والمؤسسات التعليمية بتوفير بيئة صحية ونفسية جيدة للأطفال والمراهقين وذلك لتجنب تعرضهم لأي مشاكل نفسية. فمن الشأن البيئة الصحية مساعدة هذه الفئة على التمتع بصحة جيدة وذلك بتنميتها لشعور الحب والثقة والتقدير والأمان لدى الأطفال والمراهقين وبالتالي جعلهم متقبلين أكثر لأنفسهم، بالإضافة إلى زيادة حسهم بالانتماء لأسرتهم ومجتمعهم وإدراكهم للأمور التي يجيدون القيام بها والتعلم، مما يزيد فرص نجاحهم في الحياة.
تحفيز وتوعية
وأكدت د. طه على الأثر السلبي الذي تسببت به جائحة كورونا على الصعيد المحلي والعالمي، والذي نتج عنه ظهور عدة اضطرابات نفسية. حيث أظهرت دراسات عالمية مختلفة ارتفاع نسب الاضطرابات النفسية لدى الأفراد، مثل: القلق، الاكتئاب، الوسواس القهري، العزلة، بالإضافة إلى اضطرابات أخرى.
وأوضحت د. تغريد أن هذه الاضطرابات تأتي نتيجة الظروف التي فرضتها الجائحة والتي نتج عنها فقدان الناس لوظائفهم وأحبتهم، بقائهم لفترة طويلة في المنزل، عدم قدرتهم على السفر أو المشاركة في الأنشطة والفعاليات الاجتماعية والترفيهية المختلفة. لهذا، أوصت منظمة الصحة العالمية بدعم بيئات العمل ورفع معنويات الموظفين والعاملين في قطاعات تتطلب جهداً جسدياً ونفسياً كبيراً مثل القطاع الطبي. كما أوصت المنظمة بدعم مشاريع الصحة النفسية للأطفال والمراهقين من خلال تنظيم برامح تحفز مواهبهم وتبث فيهم روح الأمل والمشاركة وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على صحتهم النفسية والتوعية بطلب المساعدة النفسية كلما أمكن ذلك، وإطلاق خدمات الاستشارات النفسية المجانية في البلاد التي تعاني من ارتفاع في حالات الاضطراب النفسي وكذلك معدلات الانتحار.